هل هناك قوة خفية في عالمنا؟ وما علاقتها بنظرية المؤامرة؟

هذه الحلقة تأتي استكمالًا للحديث السابق عن نظرية المؤامرة، إذ لم يُستوفَ النقاش حولها في المرة الماضية. فقد أشرنا سابقًا إلى أن هناك من يفسر كل ما يجري في العالم على أنه نتاج قوة خفية عالمية تدير كل شيء وتنجح دائمًا بلا فشل.
شمولية التفسير عند أنصار النظرية
المؤمن بهذه النظرية يرى كل الظواهر العالمية - من احتجاجات وتظاهرات في الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، العالم العربي، الهند، الصين، وأمريكا الجنوبية - نتيجة لذات القوى المتآمرة.
بالنسبة له، أي حدث عالمي يختزل إلى “مؤامرة علينا نحن” حتى لو كانت الظاهرة كونية ومتكررة في كل مكان.
الحقيقة الموضوعية
الحقيقة أن هناك فعلًا قوى خفية ومخططات في العالم، لكنها ليست واحدة متجانسة، بل متعارضة ومتضاربة. هذه المخططات:
- تنجح أحيانًا وتفشل أحيانًا.
- تعكس طبيعة الإنسان ككائن يخطط ويكتم خططه.
- لا تُعلن دائمًا على الملأ، ولهذا يطلق عليها اسم "مؤامرات".
إذن، العالم كله يتآمر بشكل أو بآخر، بمعنى أنه يضع خططًا وصراعات متقابلة، وكل طرف يملك وزنًا مختلفًا في هذه المعادلة الدولية.
التدافع كقانون قرآني
القرآن الكريم عبّر عن هذا الصراع بوضوح:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾
أي أن التدافع سنة كونية قائمة، وكل أمة أو دولة تتحرك ضمن هذا السياق بخططها وقدراتها.
خطورة حصر التفسير في "المؤامرة"
لو اعتقد الناس أن ميكانيكا واحدة تحرك العالم دائمًا في اتجاه محدد، لانتفى معنى المبادرة والعمل:
- الصين عندما تنهار تبقى منهارة.
- اليابان حين تُهزم تبقى مهزومة.
لكن الواقع مختلف، لأن وجود مخططات مضادة يجعل الساقط ينهض من جديد، والمهزوم يعود بقوة مرة أخرى.
الفرص في عالم التدافع
فهم التدافع يمنح الإنسان والمجتمعات:
- وعيًا بوجود فرص للنجاح بعد الإخفاق.
- قدرة على التعلم من الأخطاء والتطور.
- إدراك أن الهزيمة ليست نهاية المطاف.
التاريخ مليء بأمثلة: الصين استعادت قوتها، الهند نهضت، اليابان وألمانيا تعافتا، وهكذا سائر الأمم.
الخلاصة أن العالم محكوم بمنطق التدافع لا بمنطق المؤامرة الناجزة المطلقة. هذه الرؤية الواقعية تفتح أمام المجتمعات أبواب الأمل والعمل والتخطيط المستمر.