لماذا لا يتكرّر زمن الأنبياء والصحابة في عصرنا الحالي؟

الحنين إلى الماضي
هناك دائمًا تصوّر يربط بين الحنين إلى الماضي وبين فكرة وجود مجتمعات نقية وأشخاص أنقياء جدًا، فنشعر أننا نفتقد ذلك الزمن الذي نصنعه في عقولنا. غير أنّ العودة إلى حقائق الماضي تكشف أنه كان مليئًا بالإشكاليات أيضًا، وكان الناس يشكون من الفساد والمظالم كما نشكو اليوم.
غياب العالم المثالي على الأرض
العالم المثالي ليس موجودًا في الحياة الدنيا، بل في الجنة. أما الحياة البشرية فهي دائمًا مزيج من قيم الخير والشر، ولا يخلو أي عصر من أشكال الفساد والضلال. لذلك، فإن التصور عن مجتمع نقي تمامًا هو وهم يتناقض مع طبيعة التاريخ البشري.
مثال عصر الصحابة
كثير من الناس يتطلعون إلى عصور الصحابة ويظنون أنها كانت نقية تمامًا. غير أنّ الواقع يُظهر أنّ ذلك العصر كان يضمّ المؤمنين، وفيه أيضًا المنافقون والمشركون. وكان فيه فسادٌ أوجب تشريع الأحكام كالسرقة والزنا، وشهد صراعات وقتالًا بين الناس. ومع ذلك فقد تميز بخيرية في بعض وجوهه، لكنه ظل مجتمعًا بشريًا بكل ما يحمله من تعقيد.
القرآن ونقد المجتمعات
القرآن الكريم، من خلال نقده للمجتمع ومعالجة مشكلاته، رسم لنا بانوراما عامة تكشف عن الإشكاليات التي سكنت تلك العصور الأولى. فقد وردت أحكام كثيرة لإصلاح أحوال الناس، ومع ذلك لم تستجب المجتمعات استجابة كاملة، بل ظلّت تكافح من أجل بلوغ الكمال.
قيمة السعي لا الكمال
القيمة الحقيقية لكل عصر لا تكمن في كماله، بل في تطلعاته العليا وسعيه نحو الكمال. لذلك، نحن في عصرنا مدعوون لبذل أقصى جهد لتحقيق الكمالات الممكنة في ظل الظروف والمعطيات الراهنة. ولو عدنا إلى عصور سابقة لوجدنا أنّ حالها لا يختلف كثيرًا، ولكررنا نفس الكلام.
كفاح من أجل الكمال
الحنين للماضي يسكن عقول كثير من الناس، لكنه لا يصمد أمام قراءة موضوعية للتاريخ. فالتاريخ البشري، بشهادة القرآن الكريم، كان دائمًا مشبعًا بالإشكاليات. والمطلوب اليوم أن نكافح من أجل الكمال في عصرنا، بدل انتظار استعادة عصور مضت أو التفكير في إعادة إنتاجها.