سأتكلم اليوم عن موضوع قد يبدو غريبًا قليلًا، عنوانه: "الآخر في أنفسنا".
كثيرًا ما يدور بيننا وبين الآخرين حوار تقول فيه لشخص: "أنا فاهمك، افهمني… اسمعني". وغالبًا ما نوجّه للآخرين تعليمات: يجب أن تفعل كذا، أو يجب أن تترك كذا. وكأن علاقتنا مع العالم دائمًا قائمة على أن الخارج هو الذي لا يفهم، أو لا يسمع، أو على خطأ، بينما نحن نمثل الصواب.
انعكاس الحوار الداخلي
لكن أخطر ما في الأمر ليس الحوار مع الآخرين، بل الحوار الداخلي الذي يدور في أعماقنا. يقول الله تعالى: ﴿بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ ١٤ وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ ١٥﴾ [القيامة].
داخل الإنسان يوجد خطاب ثانٍ غير الذي ينطق به لسانه. وفي الثقافة الغربية ظهرت شخصية "الجوكر" كتعبير عن صراع داخلي بين شخصيات متعددة في النفس. والقرآن يوضح هذه الحقيقة بقوله: ﴿أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ﴾ [الجاثية: 23]، أي أن الهوى يتحول إلى إله يخاطب الإنسان ويعظم في داخله.
داخل الإنسان يوجد خطاب ثانٍ غير الذي ينطق به لسانه. وفي الثقافة الغربية ظهرت شخصية "الجوكر" كتعبير عن صراع داخلي بين شخصيات متعددة في النفس. والقرآن يوضح هذه الحقيقة بقوله: ﴿أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ﴾ [الجاثية: 23]، أي أن الهوى يتحول إلى إله يخاطب الإنسان ويعظم في داخله.
النموذج الأول: إبليس
إذا تأملنا القصة الكبرى في القرآن، نجد أن أكبر آفة أصابت إبليس كانت قوله: "أنا خير منه". فقد رأى أن أصله من نار أرفع من أصل آدم من طين، ومن هنا بنى شعورًا بالاستحقاق والتميّز. هذه النزعة النفسية: "أنا خير منه"، ليست حكرًا على إبليس؛ بل تسكن في أعماق البشر جميعًا بدرجات مختلفة.
انعكاس الظاهرة في المجتمع
كثير من الناس يطالبون بحقوق أكثر من الآخرين، ويعتبرون أنفسهم أصحاب وصاية، وأن الآخرين دائمًا على خطأ وهم وحدهم على صواب. هذه الذهنية تولّد حالة استعلاء خفي، وتُضعف قدرة الإنسان على مراجعة نفسه.
القدرة على المراجعة الذاتية
مع ذلك، يمتلك الإنسان قدرة فطرية على مراجعة ذاته ومناقشتها إذا انتبه لهذه الظاهرة. حين يدرك أنه ليس أفضل من بقية الخلق، بل واحد منهم، يصبح أكثر قدرة على التفاعل بتواضع، والاستماع، ومحاولة الفهم، وتقويم السلوك. هنا يتحول الخطاب من اتهام الخارج بالخطأ إلى إصلاح الداخل أولًا.
المستبد الداخلي
داخل كل إنسان "مستبد داخلي" يوسوس له: "أنت خير من الآخرين". لكن وعي الإنسان يجعله يناقش هذا الكيان، ويعيد ضبط بوصلته. والفرق بين التقدم والتخلف يبدأ من هذا الصراع الداخلي قبل أن يظهر في الواقع الخارجي.
المدخل الحقيقي
كلما وجّه الإنسان خطابه إلى داخله، وأصلح نفسه، ساهم في صناعة مجتمع أفضل وإنسان أرقى. أما حين ينشغل بإثبات أن الآخرين على خطأ، ويُبقي نفسه في موقع الصواب المطلق، فإنه يفقد البوصلة. الوعي بالذات، ومحاسبتها، ومراجعتها… هو المدخل الحقيقي لصناعة الفارق في حياتنا.