متى تصبح المرأة خصمًا لنفسها؟ وهل هناك خلل في تصور المرأة داخل ثقافتنا؟

أنا أزعم، وقد يخالفني أي شخص في هذا الموضوع، أنّ هناك خللًا تصوريًا عن المرأة، موجودًا داخل الإطار الثقافي، ويسكن عقل المرأة أكثر مما يسكن عقل الرجل.
فإذا صدقنا نظرية كارل ماركس، فقد اعتبر الرجلُ المرأةَ جزءًا من وسائل الإنتاج، وامتلكها على هذا الأساس. لذلك حرّر عقد الزواج ليضمن ملكية وسيلة الإنتاج، لأنه مزارع يريد أبناءً يخدمونه، وكثرة الزوجات عنده سبيل لزيادة عدد الأولاد. ومن يمتلك وسيلة الإنتاج يمتلك صناعة القانون والتعليم والإعلام، فينشئ وعيًا مزيفًا.
وأنا أظن أنّ شيئًا من هذا حاصل، ليس بالطريقة الميكانيكية التي طرحها ماركس في ملكية وسائل الإنتاج، لكن في التصور العام للمرأة في العقل العربي وامتداداته في الفقه الإسلامي وتكييفاته، ما زال يحمل هذا الوجه الدوني للمرأة. والمرأة تصبح عدوة نفسها حين تتلقى الإطار نفسه مع الوقت.
السؤال إذًا: كيف تتحرر المرأة ثانيةً وتستعيد وضعها الإنساني؟
الجواب: المرأة تحتاج أن تستعيد إنسانيتها، وأن توضع في كافّة مجالات المساواة. فهناك اختلاف بيولوجي، لكن لا يوجد اختلاف حقوقي، وهذان موضوعان مختلفان. الاختلاف البيولوجي لا يعني خصمًا من الحقوق الإنسانية. هذا هو التحول المطلوب.
وأحسن مثال أراه هنا هو مثال السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف عالجوا قضيتهم المتمثلة في الصورة الدونية المرسومة عن الإنسان الأسود في العقلية الأوروبية. عالجوها من ثلاثة جوانب أساسية:
1. مطاردة الخرافة
الأنثروبولوجيا الغربية مليئة بصور الإنسان الأسود في هيئة حيوان، أو عقل متخلف، أو إنسان بدائي. والأدبيات كانت تصوّره كعبد، مليئة بالنكات والتمييز المسبق ضده.
في جامعة جورج تاون مثلًا، أول كتاب يدرسه الطلاب هو "الأنثروبولوجيا السوداء" (Black Anthropology)، أعدّه خبراء سود لمطاردة الخرافات التي تسكن الكتب التأسيسية. فرضوا على الجامعات تدريس هذه الكتب منذ البداية، حتى إذا تعرّض الطلاب للأنثروبولوجيا التقليدية، عرفوا أنها خلل حضاري وجريمة إنسانية ارتُكبت بحق مجموعات بشرية معيّنة.
هكذا يصبح الطالب منذ البداية قادرًا على استنكار ما يقرأ. هذه المطاردة للأشباح والأوهام عن الإنسان الأسود كانت جهدًا علميًا كثيفًا قام به السود بكفاءة عالية.
2. المطاردة القانونية الحقوقية
النضال القانوني كان عميقًا، سمح في النهاية لشخص مثل باراك أوباما أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة. هذا جاء بعد كفاح طويل بدأ من أبسط التفاصيل: منع التمييز في الحافلات، ورفض أن يحتكر البيض وسيلة النقل وكأنها ملكهم وحدهم. كان نضالًا طويلًا، لكنه أحدث نقلة ضخمة في الحضارة الأمريكية.
3. الحضور الميداني
رغم معاناتهم، قدّم السود رموزًا إنسانية كبرى في الولايات المتحدة: مارتن لوثر كينغ، مالكوم إكس، وآخرون. في الفن، في الرياضة، في مجالات الإبداع المختلفة، عوضوا القصور، وأصبحوا شركاء في صناعة الحضارة، لا مجرّد هامش على الحضارة الأوروبية.
إذن الثلاثية الكبرى التي تحتاج أي جماعة مهمشة إلى إنجازها هي: مطاردة الخرافة، المطاردة القانونية، والحضور الميداني.
أما المطالب المجردة التي بلا هذه الثلاثية، فلن تؤدي إلى نتائج. في النهاية قد يكتفي الناس بهزّ رؤوسهم قائلين: "الله يعينكم"، بينما الحق لن يصبح مشروعًا حقيقيًا إلا عبر هذا الطريق.