خطورة غياب المراجعة الفكرية
خطير جدًا أن أي مجتمع أو منظومة لا تستطيع أن تراجع نفسها وتفكر بعمق، تدخل حتمًا في حالة انهيار. فالإنسان ككائن لم يُخلق معصومًا من الخطأ، بل جُعل له العقل ليعتبر ويتعلم من أخطائه.
إشكالية الحركات الإسلامية
الحركة الإسلامية ابتكرت مفهوم الابتلاء، لكنها غيّبت أهم ما فيه وهو الاعتبار. ونتيجة لذلك، تعيش باستمرار انتقالًا من ابتلاء إلى ابتلاء، دون مراجعات نقدية تجعلها أفضل حالًا في المستقبل.
تجارب باكستان وبنغلادش
كان يكفي أن نقف عند تجربة انفصال باكستان عن الهند، وما ترتب على ذلك من تعقيدات سياسية واجتماعية، لنعتبر ونسأل: ماذا يعني إنشاء دولة في العصر الحديث؟
كذلك كان انفصال بنغلادش (156 مليون نسمة) عن باكستان دلالة على أن رفع شعار الإسلام وحده لا يكفي لتماسك الدول، لأن المجتمعات أكثر تعقيدًا من مجرد راية دينية. فقد بُنيت باكستان على أساس ديني، بقيادة الإمام أبو الأعلى المودودي وغيره، لكن التجربة أثبتت أن ذلك وحده لا يضمن الاستقرار ولا التقدم.
كذلك كان انفصال بنغلادش (156 مليون نسمة) عن باكستان دلالة على أن رفع شعار الإسلام وحده لا يكفي لتماسك الدول، لأن المجتمعات أكثر تعقيدًا من مجرد راية دينية. فقد بُنيت باكستان على أساس ديني، بقيادة الإمام أبو الأعلى المودودي وغيره، لكن التجربة أثبتت أن ذلك وحده لا يضمن الاستقرار ولا التقدم.
تجربة أفغانستان
مرت أفغانستان بتجارب متتابعة؛ قادها أساتذة جامعيون ومهندسون ثم قادة شرعيون مثل الملا عمر والملا محمد. ومع ذلك، انتهت التجربة إلى دمار شامل، معارك لا نهاية لها، فراغ سياسي، وعجز كامل عن تحقيق إنجازات للإنسان الأفغاني.
السبب لم يُبحث موضوعيًا، بل أُحيل دائمًا إلى ضعف الإيمان والتقوى أو حب الإمارة، في حين لم يُطرح السؤال الأهم: ما هو المخزون الفكري الحي والمتجذر في العقول لإنشاء مجتمع مستقر؟
السبب لم يُبحث موضوعيًا، بل أُحيل دائمًا إلى ضعف الإيمان والتقوى أو حب الإمارة، في حين لم يُطرح السؤال الأهم: ما هو المخزون الفكري الحي والمتجذر في العقول لإنشاء مجتمع مستقر؟
(ملاحظة هامة: هذه الحلقة كانت قبل الانسحاب الأميركي الأخير من أفغانستان).
تجربة الشيشان
الشيشان مثال آخر للتجارب المريرة. فقد دُمّرت بالكامل نتيجة قرار الدخول في حرب مع روسيا، دون دراسة موضوعية لإمكانات الشيشانيين مقارنة بالدولة الروسية، أو مراعاة السياق العالمي. كان بالإمكان التفكير في وسائل أخرى تحقق نتائج أفضل وأقل كلفة، ضمن المنظومة الروسية نفسها.
غياب الاعتبار وآثاره
الإشكال الحقيقي ليس في أن القرآن تحدث عن الابتلاء، بل في غياب آلية الاعتبار التي ترافق الابتلاء. وعندما يغيب الاعتبار، تصبح التضحيات هائلة بينما العائد المعرفي والخبراتي معدوم.
فالتجارب التاريخية والمعاصرة تظهر أن المسلمين غالبًا ما يدفعون أثمانًا باهظة بالدماء، دون أن يكتسبوا خبرة تنعكس على قرارات الجيل اللاحق. بل إن القرارات اللاحقة عادةً ما تكون أسوأ من سابقتها، لأن المحنة لم تتحول إلى خبرة متراكمة.
بينما الأمم الأخرى، رغم وقوعها في إشكالات مشابهة وربما أشد، كانت قادرة على استخلاص الخبرة وترحيلها إلى الأجيال القادمة، مما جعل قراراتهم لاحقًا أكثر نضجًا وفعالية.
فالتجارب التاريخية والمعاصرة تظهر أن المسلمين غالبًا ما يدفعون أثمانًا باهظة بالدماء، دون أن يكتسبوا خبرة تنعكس على قرارات الجيل اللاحق. بل إن القرارات اللاحقة عادةً ما تكون أسوأ من سابقتها، لأن المحنة لم تتحول إلى خبرة متراكمة.
بينما الأمم الأخرى، رغم وقوعها في إشكالات مشابهة وربما أشد، كانت قادرة على استخلاص الخبرة وترحيلها إلى الأجيال القادمة، مما جعل قراراتهم لاحقًا أكثر نضجًا وفعالية.