تعرف على تخصص الدراسات البشرية المتكاملة (Integrated Human Studies)

تعرف على تخصص الدراسات البشرية المتكاملة (Integrated Human Studies)
1. مفهوم التخصص ومجالاته الأساسية
المفهوم
- يُعرَّف “الدراسات البشرية المتكاملة” بأنها ميدان تعليمي وبحثي يهدف إلى دمج المعرفة من مجموعة من التخصصات - الإنسانية، والاجتماعية، والطبيعية - لتمكين فهم شامل للتحديات التي تواجه الإنسان والمجتمعات في القرن الحادي والعشرين.
- ليس الهدف منه مجرد جمع مواد من تخصصات متعددة، بل تصميم منهج متكامل يُرَكّز على الربط المفهومي بين هذه التخصصات.
- في بعض الجامعات يُشار إليه أيضًا بأنه جسر بين “الإنسان” و”البيئة” - أي كيف يؤثر كل منهما على الآخر، وكيف يمكن التنسيق بين المعرفة الاجتماعية والطبيعية لصياغة حلول مستدامة.
- مثلاً في جامعة كيوتو، يُعد هذا البرنامج جزءًا من كلية “الإنسان والدراسات البيئية” التي تسعى إلى إعادة التفكير في علاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع من منظور شامل. 
المجالات الأساسية
- العلوم الإنسانية:
تشمل الفلسفة، التاريخ، الأدب، الفكر، القيم، والدراسات الثقافية، وتهدف إلى فهم الإنسان من حيث الوعي والمعنى والتجربة الحضارية.
- العلوم الاجتماعية:
تتناول علم الاجتماع، علم النفس، الأنثروبولوجيا، الاقتصاد، والسياسة، لفهم العلاقات البشرية والأنظمة الاجتماعية التي تنظم حياة الإنسان.
- العلوم الطبيعية والبيئية:
تُعنى بدراسة علاقة الإنسان بالطبيعة، وبقضايا المناخ، والبيئة، والجغرافيا، والتنوع الحيوي، وكيفية تحقيق توازن بين التنمية والبيئة.
- العلوم الرقمية والمعلوماتية:
تركز على تفاعل الإنسان مع التقنية، مثل الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية الإنسانية وتحليل البيانات، لفهم أثر التحول الرقمي في حياة الإنسان.
- الصحة والسلوك البشري:
تبحث في العلاقة بين الجسد والعقل والبيئة، وتشمل علم الأعصاب، علم النفس الصحي، ودراسة السلوك الإنساني في السياقات الحديثة.
- التنمية المستدامة:
توازن بين التقدم الاقتصادي وحماية النظم البيئية، وتهدف إلى بناء مجتمعات مزدهرة تحافظ على الموارد للأجيال القادمة.
- دراسات التعدد الثقافي والاختلاف الإنساني:
تدرس الهويات المتنوعة، والهجرة، والحقوق، والتفاعل بين الثقافات، وتعمل على بناء وعي إنساني يقوم على الاحترام المتبادل والتنوع القيمي.

2. المهارات والخبرات المطلوبة لدخول هذا التخصص
بما أن التخصص متعدد الأبعاد، فالمتطلبات تكون مزيجًا من قدرات معرفية وشخصية:
المهارات المعرفية والأكاديمية
- قدرة على التفكير النقدي والتحليلي: لأنك ستنتقل بين مفاهيم من تخصصات متعددة، يجب أن تتمكَّن من تحليلها وربطها.
مرونة فكرية: الاستعداد لتعلم مفاهيم من مجالات قد لا تكون مألوفة (كالعلم، أو الحوسبة، أو البيئة).
- مهارات بحثية متعددة الأساليب: يجب أن تملك قدرة على استخدام المنهج الكمي والنوعي، وربما المختلط.
- مهارات الكتابة الأكاديمية والتعبير: لطرح أفكار مركبة وواضحة تجمع بين المضمون العلمي والإنساني.
- مهارات التعامل مع البيانات: في كثير من البحوث، تحتاج إلى تحليل بيانات بيئية أو اجتماعية أو بيانات كبيرة.
- مهارات التواصل والعمل الجماعي: غالبًا ما يكون العمل البحثي أو المشاريع تطبيقية تُنفَّذ مع زملاء من تخصصات مختلفة.
الخبرات أو الخلفية المساعدة
- الخلفية في العلوم الاجتماعية أو الإنسانية (مثلاً الفلسفة، علم النفس، علم الاجتماع) تكون مفيدة كنقطة انطلاق.
- معرفة أساسية بالعلوم (بيولوجيا، بيئة، إحصاء) إذا أردت التخصص في الجوانب البيئية أو الطبيعية.
- تجربة في العمل الميداني أو المشاريع المجتمعية يمكن أن تكون ميزة، لأن بعض البرامج تتطلب مشاريع تطبيقية أو بحوث ميدانية.
- دراسات تمهيدية في الحوسبة أو تحليل البيانات قد تكون ضرورية في بعض الجامعات.
- الاهتمام بالقضايا العالمية المعاصرة: مثل التغير المناخي، التنمية المستدامة، العدالة الاجتماعية، الصحة العامة، التنوع الثقافي.

3. اتجاهات البحث والابتكار الحالية في هذا المجال، وأبرز ما يُطوَّر عالميًا
بما أن التخصص نفسه حديث نسبيًا، فالاتجاهات البحثية فيه تتداخل مع مجالات مثل “الإنسانيات الرقمية”، و”الاستدامة”، و”علم الإنسان البيئي”، و”الدراسات المدمجة بين الإنسان والطبيعة”. إليك بعض الاتجاهات البارزة:
أ. الدمج بين الحوسبة والعلوم الإنسانية - “الإنسانيات الرقمية / السيبر إنسانيات”
- التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والثقافة: كيف تتحكم الخوارزميات في المحتوى الثقافي؟ كيف يُعاد إنتاج القيم والهوية عبر الذكاء الاصطناعي؟
- بناء النماذج الرقمية لترجمة النصوص الثقافية وتحليلها، وربطها ببيانات بيئية أو اقتصادية.
- “Cyber Humanities” - مقترح جديد يدمج الأبعاد الأخلاقية والتصميمية في البنى الرقمية والتكنولوجية ضمن نطاق الاهتمام البشري.
- دراسات حول “تفاعل الإنسان مع البيئة الافتراضية / المعزّزة” في السياقات الثقافية.
ب. الاستدامة والإنسان
- البحث في كيف يمكن للحضارات والمجتمعات أن تتكيف مع التغيرات المناخية والجفاف وندرة الموارد، من منظور ثقافي واجتماعي، وليس فقط تقني.
- العلاقة بين العادات الثقافية والبيئة، وكيف يمكن تغيير سلوكيات ثقيلة التأثير على البيئة.
- النظم الحضارية المستدامة التي تراعي التوازن بين الإنسان والطبيعة.
ج. صحة الإنسان والسلوك في السياق البيئي
- كيف يؤثر تغير البيئة على الصحة النفسية والجسدية؟ (مثلاً، ارتفاع درجات الحرارة، التلوث، الكوارث الطبيعية).
- دراسات حول التعايش بين المجتمعات وقوى البيئة المتغيرة.
د. العدالة الاجتماعية وتعددية القيم
- البحث في كيفية توزيع الفوائد والضرر البيئي بين فئات المجتمع المختلفة، خصوصًا الفئات الضعيفة.
- البحوث العابرة للثقافات حول القيم والتعددية والهوية الإنسانية في سياق العولمة.
- دراسة الهجرة، النزوح، التعدد الثقافي والتفاعل بين الثقافات في بيئات متغيرة.
هـ. الابتكار المنهجي
- المنهج المختلط أو التكاملي: الجمع بين المقاربات النقدية والكمية والنوعية.
- استخدام النماذج المحاكاة (simulation models) لتمثيل التفاعل بين الإنسان والنظام البيئي.
- اعتماد منصات التعاون عبر التخصصات؛ شبكات بحثية تجمع علماء من علم البيئة، الاجتماع، الفلسفة، الحوسبة، الخ.
من أمثلة البحوث المعلنة مؤخرًا:
- تحليل بُنية المعارف والتفاعل بين الموضوع والمنهج في “الإنسانيات الرقمية” عبر تحليل ببليومتري يمتد لثلاثة عقود.
- إصدار “بيان سيبر إنسانيات” لدعوة إلى إعادة تشكيل المعارف الإنسانية في العصر الرقمي. 
هذه الاتجاهات تُظهر أن التخصص في تطور مستمر، وأن الباحث في هذا المجال غالبًا ما يكون رائدًا في تأسيس جسر بين معارف.

4. أبرز الجامعات والمعاهد مع مميزاتها
- جامعة كيوتو (اليابان) - كلية الدراسات البشرية المتكاملة / Graduate School of Human and Environmental Studies
• تضم 10 أقسام متخصصة تجمع بين العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والطبيعية. 
• تتيح لطلاب السنوات الأولى التعرّف على مجالات متعددة قبل اختيار التخصص الدقيق. 
• تتميز بربط الدراسات الإنسانية بالبيئية والإيكولوجية، وبمنهج تكاملي بين التخصصات. 
• تُعدّ من أوائل الجامعات التي أسّست هذا التوجه الأكاديمي بنحو رسمي منذ أوائل التسعينيات.
- جامعة ويسترن أستراليا - Center for Integrated Human Studies
• مركز بحثي يجمع العلوم، والإنسانيات، والاجتماع لدراسة قضايا الإنسان في السياقات البيئية والمستقبلية. 
• يركّز على رفاهية الإنسان على المستويات الفردية والمجتمعية مع مراعاة البيئة المستدامة. 
  • جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية (الإمارات العربية المتحدة)
    • تركز على البرامج الإنسانية والاجتماعية، من ضمنها الفلسفة، اللغة، الدراسات الثقافية، مع الحرص على الربط بين المحلي والعالمي. 
    • قد لا تكون متخصصة تمامًا في “الدراسات البشرية المتكاملة” بالمسمى الدقيق، لكنها تمثّل نموذجًا للتركيز الإنساني المعاصر في المنطقة. 
  • برنامج الماجستير العربي في الديمقراطية وحقوق الإنسان
    • ليس جامعة واحدة، بل برنامج مشترك بين عدة جامعات عربية مثل جامعة القديس يوسف في لبنان، جامعة الأردن، جامعة بيرزيت وغيرها. 
    • يجمع تخصصات متعددة: العلاقات الدولية، الفلسفة، الحقوق، الفكر السياسي، الدراسات الإسلامية. 
    • يتيح تنقّلًا بين الجامعات الشريكة، ويوفر تطبيقات ميدانية وزيارات ميدانية ضمن المنهج. 
  • معهد أراماڤا للدراسات البيئية (Arava Institute for Environmental Studies)
    • يقع في وادي عربا، ويُركّز على الربط بين البحوث البيئية والتعاون العابر للحدود في الشرق الأوسط. 
    • برامج البكالوريوس والماجستير في استدامة البيئة، المياه، القوانين البيئية مع بعد إنساني وتعاون بين طلاب من عدة دول. 
    • يدمج البعد الأكاديمي والعملي، ويشجع الحوار بين طلاب من خلفيات سياسية مختلفة. 
التخصصات المقاربة 
في الشرق الأوسط ليس من المعتاد أن تجد برنامجًا مسمى “الدراسات البشرية المتكاملة” تحديدًا كما في كيوتو، لكن التخصصات المقاربة (مثل دراسات البيئة والثقافة، دراسات التنمية، دراسات الشرق الأوسط المتكاملة) قد تعكس الروح ذاتها.