هل للحوار شأن فلسفي؟

هل للحوار شأن فلسفي؟
لا شكّ أن مسألة الحوار في الفلسفة كانت محور نقاش في وقتنا الحالي، وظلّت إشكالًا مبهَمًا، ولا توجد إلى حدّ الآن إجابة محدّدة، خاصةً في مجال الفلسفة كونها "أمّ العلوم".
فقد كان للحوار سوابق قديمة في العصور الماضية، وأنا أركّز بشكل خاص على اليونان أكثر من العصور الوسطى والحديثة، لأنّ الفلسفة منبتها الأساسي في ذلك المكان - أثينا - وبطبيعة الحال منبت الفلاسفة الذين تعدّدت أفكارهم ونظراتهم.
إنّي لا أستطيع أن أقول - أو بالأحرى - من غير المنطقي أن الفلسفة لم تستخدم أسلوب الحوار البتّة، لأنّ هذا الأسلوب يُستخدم عادةً في جميع المجالات، فما بالك بالفلسفة! ومن اليقين جدًّا أن فلاسفة اليونان استخدموا أسلوب الحوار في حياتهم اليومية وفي فلسفتهم القيّمة.
وأوجّه نظري كلّه إلى ذلك الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، إنّه سقراط. ودون إطالة، سأتطرّق في هذا المقال - بحول الله - إلى مفهوم الحوار أوّلًا، ثم مفهوم الفلسفة ثانيًا، ثم مسألة الحوار في الفلسفة التي سأركّز عليها ثالثًا.
فالإشكالية المطروحة هي كالتالي:
إذا كان الحوار شاملًا لكلّ القضايا، فكيف نُفسّر قضية الحوار في الفلسفة؟
ومن هذا الإشكال نطرح مجموعة من الأسئلة، وهي:
هل للحوار شأنٌ فلسفيّ؟ وما دور الحوار في الفلسفة؟ وكيف نُفسّر أن الحوار قضية فلسفية يستخدمها الفلاسفة لمعالجة مسائلهم؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، لا بدّ من أن نعرف مصطلح الحوار.
فالحوار لغةً: «حاور (محاورةً وحِوارًا وحَوارًا)، جادل، ناقش، باحث»(1).
ويقول ابن منظور عن الحوار: «وأصل التَّحوير في اللغة من حار يحور، وهو الرجوع، والتحوير: الترجيع»(2)، أي بمعنى «الرجوع عند الشيء والارتداد عنه»(3).
أما الحوار اصطلاحًا: {فهو لفظ عام يشمل صورًا عديدة، منها المناظرة والمجادلة}(4)، {ويراد به مراجعة الكلام والحديث بين طرفين دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة}(5).
أما الفلسفة لغةً: {تفلسف تفلسفًا، تعاطى الفلسفة في الأمر: أبدى رأيًا حكيمًا فيه}(1).
وأما اصطلاحًا، فمن المعروف جدًّا، خاصة أننا حفظناه عن ظهر قلب، كلمة «فيلوصوفوص»، وهي كلمة متأصلة من اليونان وتعني حبّ الحكمة.
فالتعريف الإجرائي للفلسفة بقولنا: إنها استشكال واستدلال؛ تستشكل المفاهيم وتردّها على شكل إشكالية، أي أزمة ومعضلة، وتجيب على هذا الاستشكال بالاستدلال، أي تستدلّ فكرتها بالحجج والبراهين، وذلك هو فعل التفلسف.