أدى تزايد استخدام الأسلحة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والأسلحة النووية والكيميائية، إلى تعقيدات نفسية بالغة الخطورة على صعيد الأفراد والجماعات، مما يستوجب دراستها والبحث فيها بعمق لفهم آليات التأثير النفسي وكيفية التخفيف من حدته أو التصدي له. يأتي علم النفس كمجال أساسي يسعى لفهم السلوك الإنساني ودوافعه، وشهد تطورات كبيرة مع ظهور مفاهيم ونظريات جديدة تحاول تفسير التعقيدات المتزايدة في العالم المعاصر. ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحة لتأسيس فروع متخصصة تتناول جوانب محددة من التجربة الإنسانية، ومنها علم نفس الحروب.
	فالتطور المستمر للتكنولوجيا العسكرية يبرز أهمية موازية لتطوير فهمنا النفسي لتلك الحروب. وكما نسعى لتطوير قدراتنا الدفاعية والهجومية على الصعيد التكنولوجي، يجب أن نولي الاهتمام ذاته لتطوير الأدوات والنظريات النفسية التي تمكننا من فهم وتحليل سلوك الأفراد والجماعات في سياق الحروب (عياش،٢٠٢٤).
	ومن أبرز الاستخدامات شائعة الاستخدام حاليًا ما يلي: 
	تحليل البيانات الضخمة
	- تحليل وسائل التواصل الاجتماعي: حيث تُعتبر منصة غنية بالبيانات الضخمة التي يمكن تحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التحليل لا يقتصر على فهم السلوكيات الاجتماعية فحسب، بل يتعداه إلى تحليل الرأي العام، وتحديد الاتجاهات، وتوقع الأحداث، وهو ما يجعله أداة قوية في سياق علم نفس الحروب.
	يبدأ هذا التحليل بجمع كميات هائلة من البيانات من مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ثم يتم تنظيفها وتحويلها إلى صيغة قابلة للتحليل. بعد ذلك، تستخدم خوارزميات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات، للكشف عن المشاعر والأنماط والعلاقات بين المفاهيم.
	تكمن أهمية هذا التحليل في فهم الرأي العام وتحديد الاتجاهات، وتحليل الدعاية وتحديد الجهات الفاعلة وراءها، وتقييم فعالية الاستراتيجيات الإعلامية والعسكرية (Metzger & Tucker, 2017).
	ومع ذلك، يثير هذا النوع من التحليل تحديات مهمة، مثل قضايا الخصوصية وأخلاقيات استخدام البيانات، والتحيز المحتمل في الخوارزميات، والتلاعب بالبيانات، والمخاطر المتعلقة بالأمن القومي.
	- تحليل الصور والفيديوهات: تُعتبر البيانات الضخمة من الصور والفيديوهات المتاحة بكميات هائلة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا قيمًا لمعلومات استخباراتية وتحليلية. ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن تحليل هذه البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقها في مجالات متنوعة، بما في ذلك علم نفس الحروب.
	يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات معقدة للتعرف على الأنماط المتكررة في الصور والفيديوهات، مثل أنواع الأسلحة المستخدمة، والزي العسكري، والشعارات، والتحركات الجماعية، كما يمكنه مقارنة الوجوه في الصور والفيديوهات بقواعد بيانات كبيرة لتحديد هويات الأفراد وتتبع تحركاتهم. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تقدير المشاعر السائدة في مجموعة من الأشخاص من خلال تحليل تعبيرات الوجه ولغة الجسد، وتتضمن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في علم نفس الحروب فهم الدعاية والإعلام، وتقييم معنويات القوات، وتحديد الأهداف العسكرية، وتوقع سلوك الجماعات. رغم ذلك، تواجه هذه التطبيقات تحديات تتعلق بدقة البيانات، والخصوصية، والأخلاقيات.
	- تحليل البيانات الجغرافية: وذلك بهدف فهم الأنماط والسلوكيات المعقدة، يمكن لهذه التقنية أن تقدم رؤى قيمة حول الدوافع والسلوكيات الجماعية، مما يساعد في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية.
	يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات حركة السكان، ورصد النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحليل الصور والبيانات المرئية، وتحديد الأنماط السلوكية. كما يمكن بناء نماذج تحليلية لتوقع الأحداث المحتملة، وتحديد العوامل المحفزة لها. وأخيرًا، يمكن استخدام هذه التقنية لتقييم تأثير التدخلات الإنسانية والعسكرية، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى مزيد من الدعم (Crooks & Wise, 2013).
	تتمثل فوائد استخدام هذه التقنية في تقديم فهم أعمق للدوافع والسلوكيات، وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية للحد من العنف وبناء السلام، وتحسين عملية اتخاذ القرارات، وحماية المدنيين.
	وهناك بعض التحديات التي تواجه استخدام هذه التقنية، مثل جودة البيانات المتاحة، وقضايا الخصوصية، والتحيز المحتمل في نماذج الذكاء الاصطناعي. لذلك، يجب التعامل مع هذه التقنية بحذر لتجاوز هذه التحديات.
	التنبؤ بالسلوك
	أحد المجالات التي تشهد اهتمامًا متزايدًا هو استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ باندلاع الصراعات من خلال الاستعانة بعلوم البيانات وتحليل الأنماط السلوكية. تسعى هذه التقنية إلى كشف العوامل المؤدية للتوتر والعنف قبل وقوعها، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال حفظ السلام والاستقرار الدولي.
	يعمل الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالصراعات من خلال عدة آليات رئيسية؛ من هذه الآليات تحليل البيانات الضخمة المجمعة من مصادر متنوعة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار والبيانات الجغرافية، للكشف عن الأنماط والاتجاهات التي قد تشير إلى زيادة التوتر أو خطر اندلاع صراع (Brandt et al., 2014).
	 وفهم الدوافع النفسية التي تقف وراء سلوك الأفراد والجماعات في سياق الصراعات. من خلال تحليل البيانات التاريخية، يمكن للأنظمة الذكية بناء نماذج تتنبأ بردود أفعال الأفراد على أحداث معينة، واستخدام تقنيات التعلم الآلي والشبكات العصبونية لبناء نماذج تنبؤية للأحداث المستقبلية، مثل احتمال اندلاع مظاهرات أو وقوع هجمات إرهابية أو تغير الأنظمة السياسية.
	في هذا السياق، يلعب علم نفس الحروب دورًا حيويًا في تعزيز فعالية أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التنبؤ بالصراعات. فمن خلال فهم العمليات النفسية التي تؤثر على اتخاذ القرارات في سياق الصراع، يمكن للعلماء تطوير نماذج أكثر دقة للتنبؤ بالسلوك البشري.
	ومع ذلك، هناك تحديات تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، مثل جودة البيانات المتاحة، وتعقيد السلوك البشري، والاعتبارات الأخلاقية المرتبطة باستخدام هذه التقنيات. لذلك، يجب استخدام الذكاء الاصطناعي وعلم نفس الحروب بحذر وبشكل مسؤول، مع مراعاة هذه التحديات وتطوير إطار عمل أخلاقي وقانوني واضح لتنظيم استخدامهما في مجال الأمن الدولي.
	كما فتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة في مجال التنبؤ بالسلوك البشري. فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بسلوك الأفراد، يمكن للأنظمة الذكية أن تكتشف أنماطًا وتوقعات قد تكون صعبة على البشر ملاحظتها. وفي سياق علم نفس الحروب، هذا التنبؤ يمكن أن يكون له تطبيقات واسعة النطاق.
	تبدأ هذه العملية بجمع البيانات من مصادر متنوعة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي وسجلات البحث على الإنترنت وبيانات الموقع ثم يتم تحليل هذه البيانات باستخدام خوارزميات التعلم الآلي للكشف عن أنماط في السلوك. وبناءً على هذه الأنماط، يمكن للأنظمة أن تتوقع كيف قد يتصرف الأفراد في مواقف معينة.
	تشمل تطبيقات هذه التقنية في علم نفس الحروب تحديد الأفراد المعرضين للتطرف، وتوقع اندلاع الصراعات، وتقييم فعالية الحملات الإعلامية. ومع ذلك، تواجه هذه التطبيقات تحديات أخلاقية وقانونية، مثل قضايا الخصوصية، والتحيز في النماذج، والاستخدام الخاطئ لهذه التقنيات.
	وبشكل عام، التنبؤ بالسلوك باستخدام الذكاء الاصطناعي هو مجال واعد، ولكنه يتطلب معالجة حذرة للقضايا الأخلاقية والقانونية، ويجب أن يكون استخدام هذه التقنيات في سياق علم نفس الحروب خاضعًا لرقابة صارمة وضمانات لحماية حقوق الإنسان. كما يجب التأكيد على أن التنبؤ بالسلوك هو عملية إحصائية وليست علمًا دقيقًا، وألا يحل الذكاء الاصطناعي محل التحليل الإنساني العميق لفهم سلوك الأفراد والمجموعات.
	المصادر
	العربية
- علي عياش (2024). عبم نفس الحروب: تحليل ومعالجة noor-book.com/xwvju8k
 
	الأجنبية 
- 
		Brandt, P. T., Freeman, J. R., & Schrodt, P. A. (2014). Evaluating forecasts of political conflict dynamics. International Journal of Forecasting, 30 (4), 944-962.
 
- 
		Crooks, A., & Wise, S. (2013). GIS and Agent-Based Models for Humanitarian Assistance. Computers, Environment and Urban Systems, 41 , 100-111.
 
- 
		Metzger, M. J., & Tucker, J. A. (2017). Social Media and Political Communication. In K. Kenski & K. H. Jamieson (Eds.), The Oxford Handbook of Political Communication . Oxford University Press.