شيفرة جيل زد

مقدمة المحاضرة: فهم جيل زد  (Generation Z)
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الرسول الكريم.
أهلاً وسهلاً بالحضور الكرام في هذه الليلة المباركة، التي نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا فيها الفائدة. نستضيف الليلة الدكتور أحمد اليوسف ليلقي على مسامعنا محاضرة بعنوان "شفرة جيل زد" (الشباب الجديد)، أو كما يُصطلح عليه عالمياً بـ "عصر زد".
إن هذا الموضوع يتسق تماماً مع الرؤية النبوية الحديثة، حيث يقول النبي ﷺ: "نُصِرتُ بالشباب". ولا يمكن أن يتحقق هذا النصر إلا على أرضية صلبة من الفهم؛ فهم هذا الشباب، ومشاكله، وطموحاته، وكيفية التفاهم معه ومد جسور التواصل. ومن خلال هذا الفهم، يمكن لجيل "زد" أن يصبح جيلاً فاعلاً ومبدعاً، بدلاً من كونه جيلاً مريباً أو مخيفاً كما يطرح البعض، نظراً للتغيرات المتسارعة والغموض الذي يكتنف طموحاته.
والآن، ننصت للدكتور أحمد اليوسف ليلقي هذه المحاضرة التي تتميز بجدتها، نظراً لندرة طرح هذا الموضوع بعمق. تفضل الأستاذ الكريم.

كلمة الدكتور أحمد اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.
قبل البدء بالمحاضرة، أحب أن أقدم لها ببعض الملاحظات السريعة، مؤكداً شكري الموصول للإخوة الحضور على الثقة التي يولونها لـ "مركز الصفوة". لكون هذه المحاضرة جديدة في بابها وتحمل تعقيدات كثيرة لاحظتها أثناء التحضير، أضع بين أيديكم الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: تحويل التجربة إلى منتج
سُئلت زوجة "ستيفن كوفي" —المدرب العالمي الذي بنى شهرته على كتابه (العادات السبع للقادة الأكثر فعالية)—: "هل يطبق زوجك العادات السبع في حياته؟". المغزى هنا هو أن المدرب عادةً ما يحول تجربته الشخصية إلى منتج تعليمي؛ لضمان توارث العلم، ولكل إنسان نقطة تميز يستفيد منها ويطورها.
الملاحظة الثانية: نحن نتربى مع أبنائنا
في مسلسل (يوميات ونيس) للفنان محمد صبحي، كانت المقدمة تقول: "كنا نظن أننا نربي أبناءنا، فإذا بنا ندرك أننا نتربى معهم". وهي قضية دقيقة جداً؛ فأنت تتعامل مع جيل مختلف عنك كلياً، يتعرض لمستجدات يومية لا يمكنك أن تجعل خبرتك وثقافتك القديمة حاكمةً عليها بشكل مطلق.
الملاحظة الثالثة: المعرفة هي الحياة
الحياة دون تعلم وإدراك هي مقتلة. لا بد من التجربة وبذل الجهد لنصل إلى حقائق أفضل.

محاور المحاضرة الأساسية
ستنطلق المحاضرة عبر أربعة محاور رئيسية:
  1. تمهيد ومفتاح أساسي: لفهم طبيعة الجيل.
  2. التعريف بجيل زد: مواصفاته وخصائصه السريعة.
  3. هندسة العلاقة: إدارة العلاقة عبر خمسة ملفات (القيم، الدين، المعرفة، الإنجاز، والمستقبل).
  4. دور المؤسسات: صناعة هذا الجيل وإدارة العلاقة معه، وصولاً إلى سبع توصيات ختامية.

التربية كرسالة وفطرة
1. التربية رسالة عظيمة
كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول: "إن لي نفساً تواقة، ما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه". إن تربية الأبناء هي أهم رسالة يعيشها الإنسان، وإذا لم نستشعر عظمتها كأمانة من الله، لن نتحمل مسؤوليتها ولن نشعر بلذتها.
2. مراعاة اختلاف الزمان
يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". نحن الآن جميعاً في خندق واحد نمارس التربية في ظل فضاء رقمي عالمي.
3. مفتاح الفطرة
يقول تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾. كل إنسان يولد بـ "هارد ديسك" رباني (الفطرة) يميل للحق والمعرفة. دورنا ليس القمع، بل إزالة "الغبار" الذي تضعه البيئة أو الثقافة الرقمية لنعيد الربط بين هذا الجيل وفطرته السليمة.

خصائص جيل زد (المولودون بين 1997 - 2012)
  • تكوين رقمي: ولدوا وفي أيديهم الهواتف الذكية.
  • حساسية الهوية: يرفضون التبعية المطلقة ويحتاجون للاعتراف بشخصيتهم واستقلاليتهم.
  • سرعة الملل وضيق التركيز: يتعلمون ذاتياً وبسرعة لكنهم لا يملكون صبراً طويلاً.
  • عقلية نقدية: لا يقبلون الأوامر دون إقناع وحوار.
التحدي الرقمي والذكاء الاصطناعي
نحن نعيش عصر الذكاء الاصطناعي الذي يحلل السلوك ويتوقع الأفعال. جيل زد يستخدم هذه الأدوات كجزء من كيانه. إذا ظللنا واقفين على "الشاطئ" نراقبهم وننتقدهم فقط، فلن نتمكن من مساعدتهم في إدارة حياتهم.

كيف نهندس علاقتنا مع جيل زد؟ (خمسة مفاتيح)
  1. تصحيح النظرة: ابنك ليس كائناً فضائياً؛ هو يحبك ويحتاجك، لكنه يعيش في فضاء مختلف. شاركه همومه لتكسب وده.
  2. القدوة الصالحة: لا يمكن أن تطالب ابنك بالنجاح أو الالتزام وأنت مقصر. هو يراقبك بدقة.
  3. لغة الحب غير المشروط: أحبَّ ابنك لذاته، لا لشهاداته أو لكونه "رفع رأسك".
  4. دستور البيت (الأولويات): لا تستهلك طاقتك وطاقتهم في معارك جانبية (حلاقة الشعر، نوع الملابس). ركز على "الأصول" (الصلاة، القيم الكبرى، الأخلاق) واترك لهم مساحة للخيارات الشخصية.
  5. الحوار والإقناع: جيل زد لا يؤمن بـ "نفذ ثم اعترض". يحتاج إلى لغة علمية وجدانية تحترم عقله.

هندسة العلاقة الإيجابية مع الأجيال الرقمية
أولاً: لغة الحوار والاعتراف بالآخر
يكمن دور المربين والمدارس في "الترشيد" حين يدرك المربي أن هناك مساحة يستطيع الابن ممارستها والتحقق من نتائجها. عندما تأتي لابنك لتقول له: "تعال نضع أخلاقيات للتواصل مع الشاشة"، سيقتنع بك؛ لأنه أدرك أنك تفهم فوائد هذه الشاشة وسلبياتها على حد سواء. أما ما دامت الشاشة "متهمة" في نظرك دائماً، فلن يقبل منك نصحاً، لا بالإيجاب ولا بالسلب.
النقطة الخامسة هي التمكين؛ فهذا الجيل يحتاج إلى من يعترف به. لقد استطاع هذا الجيل عبر العالم الرقمي ابتكار مهارات كثيرة، وهنا تبرز المسؤولية العامة في كيفية جعل وقته منتجاً يحقق له نتائج ملموسة؛ فطبيعة الإنسان أنه حين يحقق إنجازاً يشعر بالقوة والثقة.
ثانياً: ملفات إدارة العلاقة مع الأبناء
هناك خمسة ملفات أساسية تُعد الشغل الشاغل لنا جميعاً في التعامل مع هذا الجيل:
1. إدارة العلاقة بالدين: لم يعد ينفع مع هذا الجيل أسلوب الأوامر المباشرة (افعل ولا تفعل) دون اقتناع، لأن تكوينه أصبح تكويناً علمياً بطريقة معينة. نحن أمام نوعين من التدين:
  • تدين وراثي: لا يبنى على تأسيس عقلي أو وجداني صحيح.
  • تدين يبنى على أسئلة حقيقية: لا يصح أن يتعرف الطفل على الله سبحانه وتعالى فقط من خلال الترهيب والنار؛ فالله عز وجل عرفنا بنفسه في سورة الفاتحة بأنه "الرحمن الرحيم". تشريع الله بحد ذاته هو رحمة للناس.
2. الخطاب العلمي والدين: ذكر أحد الزملاء المتخصصين في علم الاجتماع موقفاً في دولة غربية، حيث طُرحت قضية "الجندر والمثلية" كجزء من ثقافة ما بعد الاستعمار. رد زميلنا بالمنطق العلمي قائلاً: "المثلية مشكلة اجتماعية؛ لأنها تخالف طبيعة التكاثر البشري القائمة على الذكر والأنثى، وهي مشكلة في علم الأعصاب لأنها تسبب توتراً للدماغ، وفوق ذلك هي مشكلة بيولوجية". هذا يثبت أن اللغة العلمية هي أقرب طريق للدين؛ فلا يمكن أن تتعارض حقيقة دينية حقيقية مع العلم، وأي صدام يقع يكون إما بسبب عدم ثبوت النص الديني أو كونه مجرد تفسير بشري.
3. إدارة العلاقة بالقيم: في ظل "السيولة الأخلاقية" التي نعيشها، نحتاج إلى دورات مستقلة لتعزيز القيم.
4.  إدارة العلاقة بالمعرفة والانجاز: كيف نحمي أبناءنا من التشتت وننمي لديهم التفكير النقدي؟ هذا يتحقق من خلال التمكين الرقمي؛ عبر توفير منصات تكتشف إمكاناتهم وتوظفها، ليصبح لدى الشاب مشروعه الخاص وإنتاجه، مما يصرفه عن الانشغال بالقضايا التافهة.
5. إدارة العالم الرقمي: هذا يتطلب مساعدة الخبراء لتعليم الجيل إدارة الوقت والرقمنة، مما يبدد قلقهم تجاه المستقبل.
ثالثاً: دور المؤسسات (المسجد، المدرسة، الإعلام)
مهمة هذه المؤسسات هي تحقيق "نقطة التمكين". هذا الجيل يحب التطوع والمواجهة والإنجاز، ولم يعد ينفع معه الخطاب العاطفي المجرد، بل يحتاج إلى لغة الرقم والإقناع.

توصيات ختامية (النقاط السبع):
  1. تعزيز التواصل المتفهم بين الأجيال.
  2. تحديث النظم التربوية.
  3. تمكين الشباب وإشراكهم.
  4. التركيز على الصحة النفسية للأبناء.
  5. تجسير الهوة بين الرقمنة والقيم.
  6. دعم ريادة الأعمال للشباب.
  7. الحفاظ على الهوية (وهي نتيجة تتحقق بإنجاز النقاط الست السابقة).
خاتمة الدكتور أحمد اليوسف: هذا الموضوع يحتاج ليكون "دورة تدريبية" وليس مجرد محاضرة. الهدف هو تفهم أدوات التواصل مع هذا الجيل لنكون معهم كتفاً بكتف، وإلا سنبقى في مأزق وأزمة مستمرة.
تعقيب الختام: نشكر الدكتور أحمد اليوسف على هذه المحاضرة الثرية والمعقدة بمصطلحاتها. لقد استوقفنا "قانون الرفق" وضرورة إيجاد لغة جديدة لمد الجسور مع الأبناء، بعيداً عن المقدمات التقليدية التي لم تعد فاعلة في تأسيس اليقين الإيماني اليوم.
دمتم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.