يعيش العالم اليوم تحت تأثيرٍ قويٍّ للنموذج الحضاريِّ الغربيِّ، الذي يفرض رؤيته المادِّيَّة على مختلف جوانب الحياة؛ الأمر الذي يشكِّل تحدِّياً وجوديّاً للمسلمين، ليس فقط في عقيدتهم؛ بل في انتمائهم وهويَّتهم الحضاريَّة؛ هذه الهيمنة التي تتغلغل عبر الإعلام والثقافة والسياسة، تجعل كثيراً مِن الشعوب -دون وعيٍ منها- تتبنَّى مواقف سلبيَّةً تجاه الإسلام والمسلمين
من أين تبدأ النهضة؟ من الأرض أم من الإنسان؟ من الاقتصاد أم من الفكر؟ لعلّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة تداولًا في أوساط المهتمين بمصير الأمة ومشاريعها الحضارية. وقد شهد الفكر الإسلامي على امتداده محاولات عديدة للإجابة عنه، لكنّ الإجابة التي يفرضها التاريخ وتجارب الأمم هي: النهضة تبدأ من الإنسان، من تكوينه النفسي، وعقله المنفتح، وإرادته الواعية، وعلاقته المتزنة بالآخر. فالحضارة – كما يصفها علماء الاجتماع – هي نتاج تفاعل الإنسان مع محيطه، وهي لا تنشأ إلا إذا كان هذا الإنسان مؤهلًا لبنائها.
ازدواجية الوعي: بين رفض الجبر نظرياً وتقبّله عملياً لا تكاد تجد مسلماً يقول لك إنني مجبر على فعلٍ ما من قِبل الله عزَّ وجل، فهذا يتناقض مع صريح العدالة الإلهية وصريح معنى يوم الحساب، فما الفائدة من الحساب على فعلٍ أو قولٍ كنت مجبراً على فعله أو قوله، والآيات التي تتحدث عن حرية الإرادة كثيرة كقوله تعالى:﴿ ٱقرَأ كِتَبَكَ كَفَى بِنَفسِكَ ٱليَومَ عَلَيكَ حَسِيبا ﴾ الإسراء: 14 ،و ﴿ إِنَّا هَدَينَهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ الإنسان: 3 ، وحتى الآيات التي تشي للوهلة الأولى بانتفاء حرية الإرادة كقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلعَٰلَمِينَ ﴾ التكوير: 29 و ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ الصافات: 96 يقوم العقل المسلم مباشرة بفهمها فهماً يثبت به حرية الإرادة.