نحو علم اجتماع حواري

نحو علم اجتماع حواري

المؤلف: د. ساري حنفي - أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية في بيروت
المصدر: مجلة عمران، العدد 46، خريف 2023
ما يلي ملخص البحث: 
1. مقدمة
يشهد العالم المعاصر أزمات متشابكة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهي ما يصفه الكاتب بـ أمراض الحداثة المتأخرة. تتجلى هذه الأمراض في صعود الشعبوية والاستبداد، واتساع فجوات التفاوت الاجتماعي، وتآكل الثقة بين النخب والمجتمعات.
يرى الكاتب أن ردود فعل علم الاجتماع على هذه التحديات تميل إلى ما يسميه بـ الليبرالية الرمزية، وهي استجابة غير كافية. ومن هنا يقترح بديلًا هو علم الاجتماع الحواري، بوصفه إطارًا نقديًا وبنائيًا لمعالجة هذه الأزمات.
2. أمراض الحداثة المتأخرة
2.1  المجال السياسي
- صعود الاستبداد في دول الجنوب وتنامي الشعبوية اليمينية في الشمال.
- تآكل شرعية الديمقراطية التمثيلية وضعف الثقة في النخب السياسية.
- نتائج الربيع العربي كشفت أزمة عميقة بين النخب العلمانية والدينية.
2.2  المجال الاقتصادي والاجتماعي
- تصاعد اللامساواة والهشاشة الاجتماعية، ما أدى إلى استبعاد شرائح واسعة من الطبقة الوسطى.
- مثال: حركة السترات الصفراء في فرنسا تعبير عن هذا الغضب الاجتماعي.
2.3  المجال الثقافي
- استقطاب النخب حول قضايا الهوية والثقافة.
- تصاعد ظاهرة ثقافة الإلغاء (Cancel Culture) وعدم التسامح في الجامعات والإعلام.
3. القوى المولّدة لهذه الأزمات
3.1 النيوليبرالية
- انسحاب الدولة من تنظيم الاقتصاد، وخصخصة الخدمات العامة.
- بروز الاستهلاك الفردي معيارًا وحيدًا للنجاح.
- تفكك الهياكل الجماعية مثل النقابات والأحزاب.
3.2 الرأسمالية العاطفية
- استغلال العواطف والعلاقات الشخصية في السوق والإعلانات.
- انتشار ثقافة الاستهلاك العاطفي المرتبطة بالتكنولوجيا ووسائل الإعلام.
4. الاستجابات النظرية: الليبرالية الرمزية
يرى الكاتب أن كثيرًا من علماء الاجتماع تبنوا ما يسميه بـ الليبرالية الرمزية، التي تتميز بـ:
- تركيز مفرط على حقوق الإنسان الفردية على حساب العدالة الاجتماعية.
- تضخيم عالمية القيم الليبرالية دون مراعاة الخصوصيات الثقافية.
- إهمال التحليل الطبقي لمظاهر التفاوت.
- الاستسلام لسياسات الهوية وتجزئة المجتمع بدل تعزيز الرؤية المشتركة.
5. البديل المقترح: علم الاجتماع الحواري
5.1  ملامح المشروع الليبرالي الحواري
- إعادة الاعتبار للعدالة الاجتماعية من خلال التركيز على التحليل الطبقي والتقاطعي.
- الموازنة بين العالمية والخصوصية الثقافية في حقوق الإنسان.
- السماح بتعدد التصورات للخير العام بدلًا من فرض تصور واحد مهيمن.
- تعزيز المجال العام الحواري كمكان للتفاوض والتفاعل بين الفاعلين الاجتماعيين.
- الاستفادة من مفاهيم مثل:
o العِشرة (Convivialism): تعزيز التعايش والتضامن.
o الصدى (Resonance): بناء روابط إنسانية واجتماعية حقيقية.
o الفردانية الأخلاقية: مسؤولية الفرد تجاه المجتمع.
5.2  تطبيقات عملية
- تبني سياسات مثل الحد الأدنى الشامل للدخل لمواجهة الفقر.
- معالجة قضايا الهوية (مثل الحجاب في فرنسا أو البكيني في صيدا) عبر حوار اجتماعي بدل القوانين الإقصائية.
- دعم الحركات الاجتماعية التي توازن القوى وتمنع هيمنة تصور واحد للخير.
6. الخاتمة
يرى ساري حنفي أن الليبرالية الرمزية تعيد إنتاج أمراض الحداثة المتأخرة بدل معالجتها. أما علم الاجتماع الحواري، فهو مشروع بديل يفتح المجال أمام توازن جديد بين العدالة الاجتماعية والتعددية الثقافية والسياسية، مع التركيز على قيم التضامن والتعايش والمشاركة الفعالة في المجال العام.
بهذا الطرح، يدعو الكاتب إلى تجاوز الجمود النظري والانخراط في مقاربة نقدية عملية قادرة على إعادة بناء الثقة والعدل في المجتمعات المعاصرة.