التحول القيمي في عصر ما بعد الإنسانية

التحول القيمي في عصر ما بعد الإنسانية
تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف ملامح التحول القيمي في عصر ما بعد الإنسانية، وتحديد أسبابه الرئيسة، والكشف عن القيم الإنسانية الأكثر عرضة للتحول، واستشراف السيناريوهات المستقبلية لمنظومة القيم. اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي مدعومًا بالجانب الميداني، باستخدام أداة الاستبانة التي تم التحقق من صدقها وثباتها، وتطبيقها على عينة قوامها (42) خبيرًا من (30) تخصصًا علميًا وإنسانيًا في (14) دولة عربية وأجنبية.
أظهرت النتائج أن التحول القيمي يختلف عن التغير القيمي بكونه عملية بنيوية عميقة تعيد صياغة النسق القيمي، وليس مجرد تبدل سطحي في الممارسات. كما تبين أن أبرز التحولات التكنولوجية التي تقود إلى نشوء عصر ما بعد الإنسانية تتمثل في: الذكاء الاصطناعي بنسبة (82%)، والهندسة الوراثية بنسبة (68%)، الواقع الافتراضي والميتافيرس بنسبة (57%)، والبيانات الضخمة بنسبة (63%)، مدعومة بتحولات فكرية أبرزها نقد النزعة الإنسانية وصعود ما بعد الحداثة. أما القيم الأكثر عرضة للتحول فهي: الترابط الاجتماعي بنسبة (76%)، الأمن الاجتماعي بنسبة (71%)، الخصوصية بنسبة (69%)، الكرامة الإنسانية بنسبة (64%)، الحرية بنسبة (61%)، المساواة بنسبة (58%)، والإيمان بنسبة (55%). كما أكد المشاركون أن التكنولوجيا هي العامل الجوهري للتحول القيمي بنسبة (65%)، تليها العوامل الاجتماعية والثقافية بنسبة (18%)، ثم الاقتصادية والسياسية بنسبة (10%)، وأخيرًا الفلسفية بنسبة (7%).
وعلى صعيد المستقبل، برزت ثلاثة سيناريوهات محتملة: تفاؤلي بنسبة (26%) يرى أن التكنولوجيا قد تعزز العدالة والكرامة، وتشاؤمي بنسبة (39%)  يتوقع انهيار القيم التقليدية وصعود قيم بديلة تؤدي إلى الاغتراب، ووسطي بنسبة (35%)  يُرجّح إعادة تعريف القيم التقليدية بدل اندثارها.
وتكمن مساهمة الدراسة في أنها لم تكتف بوصف التحولات، بل قامت بترتيب أولويات القيم المهددة كما يراها الخبراء، وربطت بين الأبعاد النظرية والفلسفية وما أظهرته الاستبانة الميدانية، مما يوفر أساسًا معرفيًا يُسهم في إثراء النقاش العلمي حول مستقبل القيم، ويدعم صياغة أطر تعليمية وتشريعية وأخلاقية للتعامل مع تحديات عصر ما بعد الإنسانية.