الأمة من الحلم إلى التحقق | 01 | مفهوم الأمة الحقيقي

نحن في مساق بعنوان موضوع الأمة، وأنا سأطلق عليه: الأمّة من الحلم إلى التحقّق.
وسبب أهمية هذا الموضوع أنّ قضية الدولة في الحياة الإسلامية فيها مشكلة، وقضية الخلافة فيها مشكلة، وقضية توحّد الأمة فيها مشكلة. لذلك من المهم جدًا أن يكون هناك مساق علمي معرفي يسمح لنا بأن نسبر غور هذا الموضوع ونرى أعماقه وبنيته الأساسية.
مفهوم الأمة وإشكالاته
مفهوم "الأمّة" من المفاهيم الملتبسة، ويُستخدم في اتجاهات متعددة. وأحيانًا يكون التفريق بين الكلمات صعبًا جدًا؛ إذ يحتاج الإنسان إلى معرفة الأمر حتى يحدد: أنا أتحدث بهذا التعريف في هذا الموضوع المحدد.
فمثلًا:
- في اللغة التركية تُستخدم كلمة أمت بمعنى الأمة الدينية، ويستخدمون كلمة ملّة للدلالة على الإطار القومي ذي الصبغة العرقية.
- وفي اللغة الإنجليزية تأتي كلمة Nation بمعنى الأمة السياسية، مثل "الأمة الأمريكية".
- ويستخدم الأتراك أيضًا كلمة أوص للدلالة على الأمة بالمعنى القومي، أي الناس المتجمعين في دولة واحدة ومتوافقين على العيش فيها.
- وكذلك كلمات مثل وطن، ومحبو الوطن (Patriotism)، وغير ذلك من مفردات تتداخل في هذا الفضاء الواسع للتجمعات البشرية.
الأمة في القرآن الكريم
عند الرجوع إلى القرآن الكريم، نجد أنّ كلمة أمّة لا تحيل إلى معنى واحد، بل تتعدّد معانيها:
- "وجد عليه أمةً من الناس يسقون": أي جماعة من الرعاة المتجمعين حول هدف واحد هو سقي الماء.
- "إن هذه أمتكم أمة واحدة": أي جماعة متحدة حول دين ومعتقد.
- "يوم ندعو كل أناس بإمامهم": الناس المتجمعون حول قائد واحد.
- "تلك أمة قد خلت": اجتماع حول حقبة زمنية محددة.
- "إن إبراهيم كان أمة": اجتماع صفات الخير في فرد واحد.
- "ولكل أمة رسول": جماعة من الناس لهم رسول.
- "إنا وجدنا آباءنا على أمة": أي على دين.
- "واذكر بعد أمة": أي بعد فترة زمنية.
- "ومن قوم موسى أمة": أي طائفة.
إذن، كلمة أمّة متعددة المعاني، ونحن نحتاج إلى تحديد معنى محدد لنتحدث بطريقة دقيقة حول هذا الموضوع المهم.
من الحلم إلى التجسّد: مشروع الأمة
إذا أردنا أن نتحدث عن الأمة من الحلم إلى التجسّد كمشروع كبير، فهناك قضايا مهمة في هذا الباب، مثل:
1. الفارق بين الأمة والقومية
في الفكر السياسي والاجتماعي، عندما نستخدم كلمة "أمة" أو "قومية"، بأي معنى نستخدمها؟
ما العلاقة بين القومية والعرق؟ وهل القومية تعني العرقية أم أنّ بينهما فرقًا مهمًا يجب فكّ الاشتباك فيه؟
2. الشروط الموضوعية للتحول إلى كيان سياسي
ما الشروط التي تسمح بالانتقال من أمة متجمعة حول دين أو رغبة أو مشاعر، إلى قومية بمعنى كيان سياسي؟
ما الظروف الموضوعية التي تسمح بحدوث هذا التحول؟
3. الدولة الإمبراطورية مقابل الدولة القومية
ما الفرق بين الدولة الإمبراطورية التاريخية والدولة القومية المعاصرة؟
وما الشروط الموضوعية السائدة في عصرنا؟
4. تعريف الأمة الإسلامية
كيف يمكن تعريف الأمة الإسلامية بشكل علمي؟
وما نوع الأمة التي يعكسها النموذج النبوي؟
هل هي أمة بالمعنى الديني أم بالمعنى السياسي؟
5. الوضع الراهن للأمّة
ما أحوال الأمة اليوم بمعناها الديني الواسع؟
وما أحوال الدولة؟
وهل انتهى دور الأمة أم أنّ هناك مجالًا لفكرة الأمة؟
هل ما يزال هناك فضاء لفكرة الأمة أم لا؟
6. التحديات والفرص أمام قيام تمثيل سياسي للأمّة
هل يمكن للمسلمين أن يوجدوا كيانًا يسمونه:
- الخلافة،
- الوحدة الإسلامية،
- منظمة المؤتمر الإسلامي،
ويكون تمثيلًا سياسيًا واحدًا للأمة الإسلامية؟
وهل يمكن أن يحدث هذا؟
7. نموذج الاتحاد الأوروبي
ما الدروس والفوائد المستقاة من تجربة الاتحاد الأوروبي؟
وكيف يمكن الاستفادة منها؟
8. النموذج المحتمل لمسار قيام الأمة سياسيًا
ما الذي يمكن التفكير فيه إذا أردنا معرفة التدرّج الذي تنتقل به الأمة من حالتها الحالية إلى حالة الأمة بالمعنى السياسي؟
9. مسؤولية الفرد
ثم تأتي مسؤولية الفرد عن الأمة، وما الذي يمكن أن يقوم به الإنسان في هذا المسار.
خاتمة
هذه القضايا الرئيسية سنتناولها في هذا المساق العلمي المعرفي، بحيث يخرج الإنسان بعد الدورة بحصيلة جيدة حول هذا الموضوع الملتبس.
اليوم، عندما نقول إنّ هناك عقبات تواجه فكرة الخلافة وتوحيد المسلمين في كيان سياسي واحد، يظهر من يقول: أنتم ترفضون الخلافة، وترفضون الإسلام، وأنتم متغربون.
ونحن هنا نبحث عن المسار العملي لتحقيق مثل هذه الأحلام، وكيف تتم من خلال دراسة واعية.
أسأل الله عز وجل أن يستفيد منها كل إنسان يريد تشغيل عقله، ويفكر بعمق يتجاوز العاطفة، ويتجاوز مجرد "نريد"، إلى سؤال: كيف نحقق ما نريد؟
وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى في درس آخر.