في أجواء الهند، وبين تحديات كثيرة، برز محمد إقبال بوصفه مؤسسًا لحركة إصلاحية دينية تهدف إلى إحياء الحضارة الإسلامية. لم يكتفِ بالقلم، بل كان حركةً على الأرض بفنّه وشعره وتنظيمه.
تولّى رئاسة حزب الرابطة الإسلامية (Muslim League) وقدّم خطة لإقامة دولة باكستان الإسلامية. وتخلّى عن الفكر القومي والوطني معتبرًا التمسك بهما شكلًا من أشكال التعلّق والعبادة الصنمية التي حذّر منها الإسلام وكافحها، وسعى لكسرها. وطرح بديلًا عنها نظرية القومية الإسلامية والوحدة العالمية للإسلام.
ورأى، بعد احتكاكه بالثقافة الغربية، أنّ الثقافة الإسلامية - والعربية ضمنها - تمتلك مقامًا متفوّقًا على سائر الثقافات.
وفي سبيل تحقيق رؤيته، قام بعدد من الخطوات الضرورية، من أبرزها: الدعوة إلى تعليم الفتيات والنساء، والدعوة إلى إصلاح قانون تعدّد الزوجات، معتبرًا أنّه كان ضروريًا في الأيام الأولى للإسلام بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، بخلاف واقع الزمن المعاصر.
واتّخذ إقبال خطوة مهمة في شرح فلسفة الخَتامية بعد اطّلاعه على فلسفة أوغست كونت وهنري برغسون. وشرح أنّ الوحي الذي نزل على النبي محمد عليه الصلاة والسلام أحدث تأثيرًا داخليًا واجتماعيًا، ويمكن لأي عارف أن يبلغ درجة من هذا الأثر. فبنظره، الوحي من جنس الغريزة، يشمل كل كائن حي، ويرتبط باتصاله الفطري والقدسي بالخالق.
وحسب رؤية إقبال، فقد بلغ العقل البشري مستوى من النمو والتطور يمكّنه من السير في طريق السعادة والإرشاد على نهج النبي محمد من خلال ما تركه لنا من تعاليم. وبذلك حلّ العقل محلّ الوحي، فلا ضرورة لإرسال الأنبياء أو استمرار النبوة. ومن خلال هذا التفسير، اعتبر أنّ النبي محمد وقف بين العالم القديم والعالم الجديد.
وتبقى هذه النظرية محلّ انتقاد، إذ يرى عدد من المفكرين، ومنهم مرتضى مطهري، أنّ لدى إقبال مشكلتين رئيسيتين:
- عدم الإلمام العميق بالثقافة الإسلامية.
- ضعف المعرفة بالفلسفة الإسلامية.
ثم يأخذنا محمد إقبال إلى رؤية جديدة للذات من خلال كتابه «المثنوي: أسرار الذات وسرّ فقد الذات».
لنتعرّف إلى ما جاء في المثنوي لإقبال بتفصيل يستحق التوقّف عنده.
يتبع في الجزء الثالث.