ما هي الاختلافات في رؤية إقبال عن الخطابات الإصلاحية التقليدية؟
"من أقبل قلبه نال مطلبه"؛ فإلى ماذا كان قلب محمد إقبال يقبل ولا يُدبر؟ وما هي أنغام هذا الإقبال الذي عليه ينام ويستيقظ؟
ربما هو الغوص في الذات لتغيير العالم. لقد ظهر الاختلاف في رؤيته عن الخطابات الإصلاحية التقليدية بعدة ركائز، ونتحدث عنها وفق رؤيته للنهضة: إنها نهضة تبدأ من "الذات" ثم تتجه إلى "العالم"، وهي نهضة روحية - فكرية قبل أن تكون سياسية أو اجتماعية.
خطوات النهضة وفق رؤية محمد إقبال
1. النهضة تبدأ من "تحرير الذات" (الخودي)
رأى إقبال أن الأمة سقطت يوم فقدت إرادة الفعل. كان يعتقد أن أكبر هزيمة ليست عسكرية ولا سياسية، بل هزيمة في الداخل: في الروح والهمة والخيال.
لذلك، ركّز على مفهومه الجوهري: الـخُودي (Selfhood / الذات الفاعلة)، وهو:
- يقظة الوعي والوعي بالذات.
- الثقة بأن الإنسان خليفة في الأرض.
- الشعور بالكرامة.
- القدرة على المبادرة.
إقبال كان يرى أن النهضة = ترميم "الخودي" أي الذات الفاعلة، وإيقاظها من الغفلة والركود.
2. رفض الجمود والتقليد
اعتبر إقبال أن أكبر أعداء النهضة هما:
- الجمود الفقهي.
- الاستسلام للسلطة والتقاليد.
وكان يؤمن بـالاجتهاد المتجدد مع بقاء الأصول ثابتة. كتب بوضوح أن الأمة لا يمكن أن تنهض وهي تحيا في الماضي فقط. وقد صاغ هذه الفكرة في عبارته: "إن الإسلام دين حركة لا دين ركون."
3. الربط بين الروح والعقل
إقبال كان شاعرًا وفيلسوفًا، فمزج بين:
- حرارة القلب (الروح).
- ونور العقل (الفكر).
ورأى أن النهضة الإسلامية تحتاج الاثنين؛ فالروح وحدها تعطي حماسًا بلا نظام، والعقل وحده يعطي نظامًا بلا حياة. النهضة عنده هي "تمازج" بين الوحي والعلم، وبين الإيمان والتقدم.
4. دور الإنسان كقوة خلاقة في الكون
إقبال كان متأثرًا بالحداثة والعلوم، ورأى أن الإنسان قوة خلاقة (creative force) تشارك في صنع مستقبلها.
لذلك، كان يرفض القدرية الانهزامية التي تقول "لا نستطيع". بالنسبة له: الإنسان المسلم قادر على "تغيير مصيره" لأنه جزء من الإرادة الإلهية في الخلق والحركة.
5. نقد الاستعمار ودعوة للوعي الحضاري
عاصر إقبال انهيار الهند البريطانية تحت الاستعمار، ورأى أن الاستعمار:
- احتل الوعي.
- صنع تبعية ثقافية.
- نشر شعورًا بالنقص.
فكان يصرّ على "تحرير العقل المسلم" قبل أي تحرير آخر.
6. الدعوة لبناء مجتمع جديد
إقبال لم يكتفِ بنهضة فردية. رأى أن النهضة الحقيقية = حرية فرد + نظام اجتماعي عادل. وكان يؤمن أن الإسلام قادر على تقديم نموذج حضاري إنساني حديث، بشرط:
- العدالة والمشاركة.
- التعليم وروح الأخوّة.
- أخلاق المسؤولية وتجديد الفقه بما يناسب العصر.
7. الاجتهاد وإعادة بناء الفقه
في كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام"، دعا إلى:
- فتح باب الاجتهاد.
- إعادة النظر في مفهوم الشريعة بوصفها "ديناميكية لا جامدة".
- فهم النصوص بما ينسجم مع العصر والعلم.
وهو من أوائل من طرحوا فكرة المجالس التشريعية الفقهية بدل الفرد الواحد.
خلاصة رؤية إقبال للنهضة الإسلامية
يمكن تلخيص مشروعه في جملة واحدة: "نهضة تبدأ من الإنسان، تتجدد بالفكرة، وتزدهر بالفعل."
وهي تقوم على:
- يقظة الذات (الخودي).
- التحرر من التقليد.
- الجمع بين الروح والعقل.
- العلم والاجتهاد.
- الوعي الحضاري.
- بناء نظام اجتماعي عادل.
وهكذا، استطاع محمد إقبال الفيلسوف والمفكر والشاعر أن يمنح الراغبين في اقتفاء أثره خطوات عملية تطبيقية لنهضة الذات والمجتمع.