من أين تبدأ النهضة؟ من الأرض أم من الإنسان؟ من الاقتصاد أم من الفكر؟ لعلّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة تداولًا في أوساط المهتمين بمصير الأمة ومشاريعها الحضارية. وقد شهد الفكر الإسلامي على امتداده محاولات عديدة للإجابة عنه، لكنّ الإجابة التي يفرضها التاريخ وتجارب الأمم هي: النهضة تبدأ من الإنسان، من تكوينه النفسي، وعقله المنفتح، وإرادته الواعية، وعلاقته المتزنة بالآخر. فالحضارة – كما يصفها علماء الاجتماع – هي نتاج تفاعل الإنسان مع محيطه، وهي لا تنشأ إلا إذا كان هذا الإنسان مؤهلًا لبنائها.
ازدواجية الوعي: بين رفض الجبر نظرياً وتقبّله عملياً لا تكاد تجد مسلماً يقول لك إنني مجبر على فعلٍ ما من قِبل الله عزَّ وجل، فهذا يتناقض مع صريح العدالة الإلهية وصريح معنى يوم الحساب، فما الفائدة من الحساب على فعلٍ أو قولٍ كنت مجبراً على فعله أو قوله، والآيات التي تتحدث عن حرية الإرادة كثيرة كقوله تعالى:﴿ ٱقرَأ كِتَبَكَ كَفَى بِنَفسِكَ ٱليَومَ عَلَيكَ حَسِيبا ﴾ الإسراء: 14 ،و ﴿ إِنَّا هَدَينَهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ الإنسان: 3 ، وحتى الآيات التي تشي للوهلة الأولى بانتفاء حرية الإرادة كقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلعَٰلَمِينَ ﴾ التكوير: 29 و ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ الصافات: 96 يقوم العقل المسلم مباشرة بفهمها فهماً يثبت به حرية الإرادة.
يُقبل شهر رمضان المبارك محمّلًا بنفحات الرحمة والمغفرة، جالبًا معه فرصةً عظيمةً لتجديد الصلة بالله عز وجل، وتهذيب النفس، وتطوير الشخصية الإيمانية. ومن أعظم القيم التي يتجلّى أثرها في هذا الشهر الفضيل قيمة الإحسان، التي تعدّ جوهر الدين وذروة سنامه، إذ تجمع بين عمق الإيمان، وإتقان العبادة، وإصلاح العلاقة مع الناس
يُعدُّ موضوع "روح القرآن" قضيَّةً جوهريَّةً ترتبط بالإيمان، وهو من أعظم الموضوعات التي تتطلَّب تدبُّراً عميقاً، فإذا كان البعض يرى أنَّ روح القرآن تتمثَّل في قضيَّة الإيمان المجرَّد، فإنَّ الفاعليَّة الحقيقيَّة للقرآن في حياة الأفراد والمجتمعات تتوقَّف على "الشرط الأخلاقيِّ"، وهو الضرورة الحيَّة التي تجعل القرآن حيّاً في واقع الأمَّة عموماً وفي حياة الأفراد خصوصاً؛ بل إنَّه المنهج المتكامل الذي يتطلَّب التزاماً أخلاقيّاً يعكس جوهره الحقيقيَّ في السلوك والتعاملات، ومن دون هذا الشرط يفقد الدين قدرته على التأثير، ويصبح مجرَّد شعاراتٍ لا تحرِّك الضمير ولا تبني حضار